الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

شاهِدة على الثورة \ مارس!


ومضى فبراير الدامي وحيداً ..
حاملاً معه تفاصيل مجزرة ميدان الشهداء .. ومحرقة المجرزة ايضاً ..
مارس الغائم .. لم يكن اسعد من ذاك الذي مضى .


الزاوية التي تنادت بحبّ ليبيا ... لم يترك لها الوقت الكافي لكي تقبر شهدائها وحتى وان فعلت فالوقت كان اقصر لترقد تلك الارواح في مأمن ..
ارتال مدججة .. جُندٌ ورصاص .. والمزيد المزيد من الدعم بإتجاهها .. وكأنهم عازمون على دكّ اكبر مدن العالم .. !
الاخبار .. كما هي مصادر الاخبار المعتادة ..
وبعد انقطاع النت لمدّة يومين .. كانت هذه هي السويعات الاخيرة التي يسمح فيها للشعب الحرّ بالخدمة !
واحد مارس .. الاخبار من هناك متضاربة !
انباءُ عن مزيد من الدماء والارواح .. واخرى عن مفاوضات لتسليم الشباب لسلاحهم مقابل مبالغ طائلة  !
كُل هذه العروض المغرية جعلتني اتردد في قبول الفكرة .. انا التّي يفصلني عن الزاوية عشرات الكيلومترات ..
مضى يومين على المفاوضات ..
وهاهو الثالث ايضاً ..
اما الرابع ...
صباحاً .. يتحدث من هناك عن مظاهرة سلمية بإتجاه طرابلس ..
قال احدهم .. سنلتحم بالقادمين من تاجوراء وسوق الجمعة بإتجاه ميدان الشهداء .. !
بضع ثوانٍ فقط كفيلة بتغيير الحال .. الآن لا نكاد نسمع شيئاً سوى
صراخ ربيع شرير على الجزيرة ..
واصوات الرصاص تكاد تكون اعلى من صوته
يناشد المهدي العربي بالانضمام الى الشعب .. 
ربيع كان يقول لليلى الشائبي .. 
هو يعرفني واظنّه ليس بالرجل السيء .. فليسجل موقف في التاريخ وينضم الى اهله في الزاوية .. 
المهدي الخائن للشعب عندما استنجد به لم يتررد في اعلان انضمامه !
وماهي الاّ دقائق معدودات حتى ظهر الخبر العاجل على الجزيرة .. مفاده أنّ اللواء المهدي العربي ينشق عن نظام القذافي !
يا الهي .. الزاوية ستُحرر طرابلس !
هذا ما سار به خيالي للوهلة الاولى .. فبسالة الشباب الذي رأيته معتصماً سلمياً رغم كل التهديدات الامنية ، تجعلك تتيقن بأن خط اللاعودة هو الذي قد حدّد !
الليلة تمضي بمزيد من النحيب هنا وهناك ..
الافئدة تعتصر .. نترقب وننتظر ماذا سيحلّ بالزاوية غداً ..
وهاهي اخبار السابعة صباحاً تبشرّ بمجزرة المسجد ..
ارتال الطاغي بدبابته المزنجرة لم تمهل ثوارنا الاشاوس هناك مزيداً من الوقت ..
الكل كان يتحدّث عن هجوم مباغت لسيارات الدعم والامن بإتجاه ميدان الشهداء ..
هبّ الكُل بجراحهم إلى مسجد الميدان ..
فلم يسلم هو الآخر من قصفه الغادر ..
هكذا بدأت ملحمة الزاوية النضالية ..
مساءً عاد جند الفار مهزومين .. مدحورين إلى الخلف 
وصباح اليوم التالي .. 
بدأت المدينة استعداداً لزف شهدائها إلى ثرى الميدان هنالك ..
فلم تسلم جنائزهم هي الاخرى ..
مزيدٌ من الرصاص ينهال على جموع المتظاهرين .. ولليوم التالي سقط منهم من سقط ونجى من نجى !
في الوقت ذاته -
مسيرات تأييد والتحام بالعقيد الهارب ..
جَموع متناثرة هنا وهناك .. ترقص على جثث ابطالنا !
التاريخ .. لا يُكتب مرتين ، هذا فقط ما اريدُ ان اذكركم به يا ايّها الفارون إلى تونس والمغرب واوروبا !
سيخلدكم فرداً فرداٌ في اسوأ صفحاته على الاطلاق .. وقد جاء يومَ لن ينفع الندم !


الزاوية من جديد في ذهني !
واصوات كلاب القذافي وهي تنبح بإسمه في الخارج لا تطاق .. 
الجميل .. تحتفل بتحرير الزاوية !
تحريرها مما لا ادري !
اصوات المتصلين من الزاوية تُعَاوَدْ .. 
 ومن غير الممكن الاتصال !
كُل الشبكات مقطوعة هناك !
لا مجال للحياة .. سوى امام رقعة خضراء ترفعها عنوّة فوق منزلك !
يا الله يا زاوية ..
دفنت ابنائها اليوم .. لتنبش قبورهم بعد اسبوعين من البطولات ..
الطاغي اليوم ..
وعشرة او يزيد بقليل من "الكومبارس" الذين كان ينقلهم من مدينة لأخرى ..
هُم اليوم في شوارع الزاوية الحزينة ..
رفقة كاميرا "الليبية" وراضية البودي  !
الليلة راضية تدنس اقدامها شوارع الزاوية ..
ومن الملعب الاولمبي بالزاوية الى الاقتحام العشوائي لمنازل الناس مجّبرة ايّاهم الحديث اليها !
راضية .. لا تعرف انّ لغة الجسد التي تحدث بها اولئك المغلوب على امرهم كانت ترسل لنا في كل كلمة .. نبض استغاثة !
لله درك يا زاوية ..
بكثير من الاسى .. عادت الزاوية إلى حزنها الاول ..
وهاهي الارتال ايضاً ..
في طريقها لتحرير زوارة ..
ساعات قليلة ..دُكّت فيها هذه المدينة الصغيرة .. لتعلن ليلاً انها تحررت !
وتبدأ مسيرات الالتحام مجدداً ..
....
وبعد ان اطمأن الزعيم المخلوع على الزاوية .. هاهو اليوم السابع عشر من مارس
يُخاطب حبيبته بنغازي عبر راديو بنغازي واذاعته (القنفوذ) ..
بنغازي حبيبتي .. يا سلام بتجيبوا الامريكان والمستعمرين وانا نتفرج !
وكثيرٌ من خطاباته العجيبة تجعلك في حيرة كُلّ مرّة.. متى موعد التوبة ؟
هدوء هذه الليلة والكُل هنا ينتظر كالعادة ..
صباح اليوم التالي كان طبيعياً او شبه ذلك ..
اما مساؤه .. فقد تُرك لسيف ليُشْعله ..
خرج علينا بتصريح مع احدى القنوات الانجليزية .. ليبشّر العالم الذي كان يخطط يومها لقرار دولي بحظر الطيران والتدخل لحماية المدنين -
مبشراً بنغازي بالموت سائلاً العالم ، عن اي قرار تتحدثون .. فالوقت تأخر جدا،
19 مارس ، 12 ونصف صباحاً ،

بفارغ الصبر نترقب قرار مجلس الامن ..
الكل الليلة مجتمع في البيت ..والكُل ايضاً فقيه سياسي ..
فبينما تعلن اختي الصغرى خشيتها علناً من الفيتو الروسي ..
تجيبها اميّ أن روسيا لا تستطيع امام امريكا ..
وبعد ساعات من الاجتماع المغلق
نحن في مراقبة خُطوات رايس وهي تنتقل من عضو إلى آخر ..الثواني تتسابق بإتجاهك بنغازي .. إماّ العالم وإماّ المجرم !
بدأ التصويت .. لينتهي بتسعة اصوات لصالح القرار بينما امتنعت 5 دول !
كُل من صوت بدأ في تهنئة شلقم .. في المقاعد الخلفية حين كانت عضويتنا في المجلس قد عُلقت !
ومع ساعات الصباح الاولى ..
بنغازي تُدكّ .. ثم الطيران الدولي يبدأ اعماله ولأول مرة ..
طائرات فرنسا تقصف رتلاً من 60 كيلومتر تقريباً .. فرّ منهم من فرّ .. اما الباقي فقد صار رماد !
قدرة الله هي التي حفظت بنغازي .. فالحمدلله كُل الحمد ..
---
تلاشى حُلم الهارب بالسيطرة على حبيبته .. فقرر فتح جبهات اخرى لغرض قتل اكبر كم من الليبيين ..
الجبل .. بدأ الكلاب في الاستعاد للانقاض عليه .. كما هو الحال في مصراتة ..
ايام تمر .. بين الكرّ والفرّ نقضيها .. دول تعترف بالمجلس الانتقالي .. واخرى كســوريا تحث العالم على عدم الاعتراف ..
واخرى كالشقيقة الجزائر ترسل مرتزقتها لقتلنا ، والشعب الجزائري لا يصدق انّ هذا الواقع !! لأن بوتفليقة هو ملك ملوك افريقيا المُرتقب !
.. 
صباح اليوم .. استيقظ الشعب منذ ساعات الفجر الاولى على رصاص كثيف ..
خرج والدي يسأل .. فإذا بإمام مسجدنا العتيق المجرم ابراهيم الفقيه ينادي شباب الفاتح بالخروج - بنغازي تحررت !
وبدأت مسيرات ال.. وبدأ صمّ الآذان منذ الصباح ياجزيرة ياحقيرة قايدنا ... !
مسكينة الجزيرة .. كمْ اهينت في كُل تحرير "مزمع اعلانه" .. !
السيد شمام مساءً .. يصرح ان الرصاص الذي استيقظ عليه الشعب هذا الصباح كان لتغطية خبر الطائرة التي اسقطها الشهيد الطيار -عصمان-فوق باب العزيزية !
وذيع السرّ يا فذافي .. 
وانتهى شهر مارس .. مودعاً اياكم ياشهدائنا بكل الفخر !

هناك تعليق واحد:

النّعاس يقول...

لم أبكي على مدينةٍ كما بكيتُ على الزّاوية , الزّواية من قبل الثورة كان لها في قلبي العديد و العديد من الاعتزاز . . . و رغم أنّي لستُ زاوياً و لكنّي أحببتُ و صادقت أهلها و أعُجبتُ بها كمدينة . الزاوية كانت دائماً لها مرتبة خاصة .
في كلّ سجدة كنت أبكي الزّاوية . . .
لم أترقب أخباراً كما ترّقبت أخبار الزاوية .
الزاوية كانت على مرمى حجر الطاغية , أظهرت قوةً عجيبة في الاستبسال رغم الدبابات و السلاح البحري و الجوّي أيضاً . . . هكذا هي دائماً أرضٌ ارتفعت عن الأرض بكلمة المقاومة .
لا أحب أن أذكر الزاوية فقط لأنّ مشاعري تهتاج عند ذكرها . . . هي كالحبيبة بالنسبة إليْ .

أمّا حدث اقتراب الكتائب من مدينة الثورة فكان مآساوياً . . . للحظات كنت أعتقدُ أنّنا على وشك الفصل الأخير من الثورة , و للحظات أخرى كنت أطمئنُ نفسي بأنّ الله لن يخذلنا . . . لن يفعل ذلك .
و صدقت طمأنتي مع الترقب لقرار مجلس الأمن . . .

ببساطة شهر مارس كان شهر الدعاء بالنسبة لي , شهر رثاء الزاوية و الخوف على بنغازي و الاحباط من ما يحدث عندنا في تاجوراء - رغم مواجهتنا للنظام علناً - . . . لم أكن أفكر وقتها في مصراتة كثيراً . كانت بنغازي و الزاوية - و معارك الكر و الفر - كل ما يشغل تفكيري .

تبقى ذكريات . . . ذكريات جميلة جداً رغم حرقتها .

أظنني قررت أن أكتب للثورة ما شاهدت .

ملاحظة : مظاهرة الالتحام من تاجوراء إلى سوق الجمعة إلى ميدان الشهداء و من الزاوية إلى الميدان كان المفترض أن تكون يوم 25-2-2011 إلا أنّ النظام أوقفها في الهاني - دائماً الهاني تحتفظ بمكرمة الشهداء - .

إحترامي و تقديري . . .

النّعاس